You are currently viewing اليتيم في حياة النبي ﷺ

اليتيم في حياة النبي ﷺ

اهتم رسول الله بالمثل العالية والأخلاق السامية، التي تصوغ الحياة في إطار المودة والتعاطف، وتوحد طاقات المجتمع في بوتقة التكافل الاجتماعي.
وقد بين لنا ما ينبغي أن تكون عليه علاقة المؤمنين بعضهم ببعض، فجعلها مثل البناء المتلاحم الذي لا خلل فيه، فقال: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضرواه البخاري

وصور لنا النبي تلاحم العواطف، وقوة شعور الفرد بإخوانه المسلمين بقوله: “إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان، كما يألم الجسد لما في الرأسرواه أحمد
من ثم فإن رابطة الأخوة بين المسلمين توجب على الموسر منهم مساعدة المعسر، وأي عسر أعظم من اليتم، فاليتم مظهر واضح للضعف، والحاجة إلى المعونة والرفق والرعاية.

وكان رسول الله من أوائل الذين لمسوا آلام اليتيم وأحزانه، ومن ثم اهتم باليتيم اهتمامًا بالغًا من حيث تربيته ورعايته ومعاملته، وضمان سبل العيش الكريمة له، حتى ينشأ عضوًا نافعًا، ولا يشعر بالنقص عن غيره من أفراد المجتمع، فيتحطم ويصبح عضوًا هادمًا في الحياة.. فقال حاثًا وآمرًا ومحفزًا على رعاية اليتيم: “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئًارواه البخاري
قال ابن بطال: حقٌ على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك

وجعل رسول الله الإحسان إلى اليتيم علاجًا لقسوة القلب، وإن أبعد القلوب عن الله القلب القاسي، فعن أبي الدرداء قال: أتى النبيَّ رجل يشكو قسوة قلبه، فقال له النبي : “أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتكرواه الطبراني

كما بشر النبي من أحسن إلى اليتيم ولو بمسح رأسه ـ ابتغاء وجه الله ـ بالأجر والثواب الكبير، حيث قال: “من مسح رأس يتيم ـ لم يمسحه إلا لله ـ كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده، كنت أنا وهو في الجنة كهاتينرواه أحمد
وهذا التوجيه الذي ذكره الرسول من مسح شعر اليتيم، هو الحد الذي لا يصعب على أحد، ويمكن أن يقوم به كل إنسان، فيشعر اليتيم بالحب والحنان، ثم هو يجلب له الحسنات.

بل كان رسول الله يحرص كل الحرص على رعاية مشاعر الأيتام وإدخال السرور عليهم، ففي قصة اختصام أبي لبابة ويتيم في نخلة، قضى رسول الله لأبي لبابة بالنخلة لأن الحق كان معه، لكنه لما رأى الغلام اليتيم يبكي، قال لأبي لبابة: أعطه نخلتك، فقال: لا، فقال أعطه إياها ولك عذق في الجنة، فقال: لا، فسمع بذلك ابن الدحداحة فقال لأبي لبابة: أتبيع عذقك ذلك بحديقتي هذه؟ فقال نعم.. ثم جاء رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: النخلة التي سألت لليتيم أن أعطيته ألِي بها عذق في الجنة؟! فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نعم. ثم قُتِل ابن الدحداحة شهيدًا يوم أحد، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: رُب عذق مذلل لابن الدحداحة في الجنة رواه البيهقي

وقد مدح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نساء قريش لرعايتهن اليتامى، فقال : “خير نساء ركبن الإبل نساء قريش، أحناه على يتيم في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده” رواه أحمد

ولما مات جعفر بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ تعهد الرسول أولاده وأخذهم معه إلى بيته، فلما ذكرت أمهم من يتمهم وحاجتهم، قال : “العيلة (يعني الفقر والحاجة) تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرةرواه أحمد

ثم إن النبي لم يقتصر في اهتمامه باليتيم على أسلوب الحث والترغيب، بل استخدم أيضا أسلوب التحذير من الإساءة إلى الأيتام، أو أكل أموالهم بالباطل، بحيث لا يُقْدم على فعل ذلك إلا من قسى قلبه، وغلبت عليه شقوته، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي قال: “اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات”.
فعدَّ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكل مال اليتيم من السبع الموبقات، ومن كبائر الذنوب وعظائم الأمور.

ولخطورة وعظم حق مال اليتيم، وجه رسول الله من كان ضعيفًا من الصحابة ألا يتولى مال يتيم، فعن أبي ذر – رضي الله عنه – أن رسول الله قال: يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم. رواه مسلم

وقد ترجم المسلمون الأوائل هذه التوجيهات النبوية ترجمة عملية، ومن ينظر في حال سلفنا الصالح، يظهر له بوضوح مقدار الحرص على رعاية اليتيم وكفالته، طلبًا وبحثًا عن ترقيق القلوب والأجر العظيم، ومرافقة النبي في الجنة، فهو القائل: “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئًارواه البخاري

 

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.