كفالة الايتام (( بحث ))
كيف تتمّ كفالة اليتيم؟ ومن هو اليتيم؟ وكيف يمكن التصرّف بماله؟ وهل من الشرع كفالة اليتيم باستثمار ماله؟.
– لقد طرح معظم الناس في العالم العربيّ والإسلاميّ مؤخّراً الكثير من الأسئلة حول كفالة اليتيم، وكيف يمكن التصرّف فيها، وكيف يمكن استثمار أمواله.
– من خلال بحثنا سوف نتطرّق لأبرز النقاط عن اليتيم، وعن الكافل، وهل تجب كفالة اليتيم شرعاً؟.
أوّلاً : من هو اليتيم؟ :
اليتيم هو من مات عنه أبوه، وهو صغير، ولم يبلغ الحلم؛ أي قبل البلوغ، ويستمرّ وصفه باليتيم حتّى يبلغ، لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم (( لا يتم بعد احتلام )).
وهناك “اللطيم”، وهو الذي فقد كلا الوالدين، وكلّ لطيم يتيم، إن كان ذلك قبل البلوغ، وليس كلّ يتيم لطيماً، لأنّ اليتيم من مات عنه أبوه قبل البلوغ.
ولقد أوصانا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم به، وقد تحدّث عن رعاية الأيتام في العديد من الأحاديث الصحيحة، وعن فضل رعايتهم، ومن أشهر تلك الأحاديث: عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين. وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما. وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم معلّم الأمّة الإسلاميّة، وقائدها، وسيّد الخلق.
– يتيم الأب والأمّ، ولحكمة إلهيّة كان أغلب الرجال العظماء أيتاماً.
ولكن من يحقّ له كفالة اليتيم؟ ومن هو الكافل؟
الكافل: هو القائم بأمره، وهو ضمّ اليتيم، والإنفاق عليه، والقيام بمصلحته، ورعاية شؤونه، ورعايته تربويّاً وماليّاً واجتماعيّاً ودينيّاً، والمحافظة على ماله.
قال تعالى: ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلّا الله وبالوالدين إحساناً، وذي القربى واليتامى والمساكين ) لذلك يترتّب على الكافل حقوق يجب أن يؤدّيها لليتيم الذي كفله، والسبب في ذلك يتمه وصغره، وعدم وجود من يقوم بمصالحه، كما لا يستطيع أن يقوم بها بنفسه، ومن تلك الحقوق:
1- لا يجوز لكافل اليتيم قهر اليتيم بسبّه أو شتمه، أو إيذائه، أو دفعه بعنف، وقد عدّ القرآن الكريم تلك التصرّفات من أسوأ السلوكات بعد التكذيب بالدين، قال تعالى: أرأيت الذي يكذّب بالدِّين! فذلك الذي يدعّ اليتيم) ولا يجوز عدم مخالطته خوفاً من إيذائه، بل لا بدّ من مخالطته على وجه الإصلاح والتقويم.
2- أيضاً حثّ الإسلام على الإحسان إلى اليتيم والتلطّف معه، وحذّر من الإساءة إليه، أو احتقاره قال تعالى: (وأمّا اليتيم فلا تقهر) وبذلك لا يشعر اليتيم أنّه أقلّ من غيره مكانة ومنزلة، وبالتالي ينشأ فرداً صالحاً في المجتمع.
3- تجب المحافظة على مال اليتيم، ولا يجوز خلطها بأموال كافل اليتيم، بهدف الأخذ منها أو إعطائه الرديء منها وأخذ الجيّد.
4- لا يجوز أكل مال اليتيم، بل هي معصية من الكبائر، ومن السبع الموبقات التي حذّر الإسلام منها، فقال رسول الله: اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله ومن هنّ؟ قال: الشرك بالله، والسحر وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحقّ، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولّي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات.
5- تجب المحافظة على حقّ اليتيم في نصيبه من الميراث، ورعايته، ورعاية ماله إلى أن يبلغ.
6- يجب على كافل اليتيم الإحسان إلى اليتيم، ومن الجدير بالذكر أنّ وجوه الإحسان لليتيم لا تعني ترك تأديبه، وعدم نهيه عن اقتراف الأمور السيّئة.. وإنّما المقياس في ذلك أن يعامل الكافلُ اليتيمَ كما يعامل ولده، ويذكر من وجوه الإحسان:
7- إكرامه في الطعام، بكميّة تكفيه لنموّ جسده، وذلك من أعظم الأمور الباقية عند الله تعالى.
8- توفير المسكن المناسب له: إمّا ببناء منزل له، أو دفع إيجار منزله، أو بناء دور لرعاية الأيتام وكفالتهم.
9- تعليمه العلم النافع، وبخاصّة العلوم الشرعيّة.
10- تربيته تربية صالحة، وإبعاده عن رفقاء السوء، ومسبّبات الفساد المختلفة.
11- دعمه نفسيّاً، وتعويضه عن الحنان الذي فقده.
12- حفظ ماله، وإحسان التصرّف به، وعدم الاعتداء عليه لصغره، وعدم قدرته الدفاع عن حقّه.
13- أداء المهر للبنت اليتيمة كاملاً، وعدم الإنقاص من قيمته، إن أراد الوصيّ أن يتزوّجها، وكانت ممّن يحلّ له الزواج بها.
14- منح الثقة بالنفس لليتيم، إضافة إلى الحبّ والمودّة.. ومن صور ذلك إعطاؤه فرصة لإيجاد الحلّ المناسب للمشكلات التي تعرض له، بالتشاور والتناصح.
15- تربية اليتيم على العقيدة الصحيحة السليمة، وعلى الإيمان بالله، وبيان قدرته وعظمته، بأن نسرد له سرد القصص التي تبيّن ذلك، وجعل قدوة صالحة له في حياته.
16- إدخال السرور والسعادة إلى قلبه، والسعي إلى تحقيق ذلك، بأي وسيلة ممكنة، قال عليه الصلاة والسلام : ألّا تحقرّن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.
17- مدح اليتيم، وتحفيزه وتعزيزه على أداء الأعمال الموكلة إليه، وعدم احتقاره، أو التقليل من شأنه، وترغيبه بالاستمرار والمداومة على إنجاز الأعمال وإتقانها.
مؤسسة الجيل الجديد, [٢٨.٠٩.٢١ ١٥:٣٢]
18- التواضع لليتيم، وعدم التعالي عليه، بأيّ أمر من الأمور والتعامل معه بلين.
19- الإصلاح والتوجيه والتأديب، بطرق غير مباشرة، مع الحرص على الحكمة والإحسان في الإصلاح، وتجنّب الزجر أو التوبيخ.
صور من كفالة اليتيم :
الصورة الأولى : أن يضمّ الكافل اليتيم إلى أسرته، فيعيش معهم: ينفق عليه، ويربّيه، وهذه أكمل الصور وأولاها، فيكون الكافل مهتمّاً بكافّة أموره من طعام ولباس وتربية وغيرها من الأمور.
الصورة الثانية : أن يدفع الكافل لليتيم مبلغاً من المال يكفيه لسدّ حاجاته من الطعام واللباس و التعليم وغيرها دون أن يضمّه إليه.
الصورة الثالثة : أن يساهم الكافل بدفع بعض المال لليتيم الخاص بالإنفاق عليه ورعايته، ولا تعتبر هذه الصورة كفالة تامّة، إلّا أنّ صاحبها له عظيم الأجر والثواب.
وهذا كلّه يندرج ضمن الكفالة وليس التبنّي.
والفرق واضح بينهما، لأنّ كفالة الأيتام من الأمور المستحبّة، التي دعا إليها الإسلام، أمّا التبني فهو من الامور المحرمة التي نهى عنها الاسلام وبين الفرق بينهما لان التبني فعل من أفعال الجاهليّة، التي استمرّت إلى بداية الإسلام، ثمّ أمر بتحريمها، لأنّ المتبنّي يجعل اليتيم كأبنائه الذين من أصلابه، ويدعى باسمه، ويحلّ له محارمه. أمّا الكفالة فهي تخلو من جميع المحذورات السابقة، لأنّ الكافل يجعل اليتيم في بيته، ويتكفّل به دون أن ينسبه إلى نفسه، على عكس التبنّي الذي فيه ضياع الأنساب، وهنا تقاس كفالة الأيتام التي حثّ عليها الإسلام، ورغّب بها، ووعد صاحبها بمرافقة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الجنّة.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد.